هواية مراقبة الطيور

هواية مراقبة الطيور
بواسطة عبدالرحمن السرحان

مراقبة الطيور في بيئاتها الطبيعية هي رياضة علمية تطورت كلياً إلى حد ما في القرن العشرين، أما في القرن التاسع عشر فكان أغلب الطلاب الذين يدرسون الطيور يستخدمون الأسلحة النارية في صيد الطيور للتعرف عليها ودراستها، وغالباً ما تكون النادرة منهالم يتعرف عليها إلا وهي ميتة بين أيديهم.
حديثاً هواية مراقبة الطيور أصبحت أكثر تطوراً بعد استخدام المناظير المقربة، حيث يتم من خلال المناظير مراقبة الطيور ودراسة سلوكها والتعرف عليها بدون إزعاجها أو التأثير عليها.
وفي الحقيقة بدأ الاهتمام فجأة بالطيور في ثمانينات القرن التاسع عشر، فقد بدأت هواية مراقبة الطيور في بريطانيا أولاً، ثم لحقتها بعد ذلك بقليل الولايات المتحدة الأمريكية، ثم أصبحت أخيراً منتشرة في دول اسكندانافيا، وهولندا، وألمانيا، وسويسرا، والدول التابعة للتاج البريطاني.
ازدهرت هواية التمتع بمراقبة الطيور ازدهاراً كثيراً بعد ما تم نشر كتب الطيور، التي ترجع في القدم إلى كتاب جلبرت وايت التاريخ الطبيعي لِسلبورن (سنة 1788م)، وكتاب جون جيمز أودوبورن طيور أمريكا موضحة بالرسم (سنة 1827-1838)، وتوج هذا العمل بعد ذلك بكتاب أتش أف ويثربي كتاب الطيور البريطانية (1938-1941) وهو مكون من خمسة مجلدات، وكتاب روجر توري بيترسون مرشد عملي للطيور (1947) الذي يتضمن طيور الشمال الأمريكي شرقي جبال روكي.
ظهرت بعد ذلك المجلات والدوريات العلمية المختصة بالطيور منها مجلة أودوبورن في الولايات المتحدة ومجلة الطيور البريطانية في بريطانيا.
تعتبر هواية مراقبة الطيور سهلة وغير مكلفة مادياً، حيث تتطلب منظار مقرب لمراقبة الطيور ودفتر يتم فيه تسجيل اسم الطائر ومتى وأين شوهد وأية ملاحظات وكتاب دليل تحديد نوع الطير. وتعتبر المعلومات التي سجلها الهواة من منتسبي جمعيات مراقبة الطيور حول العالم في تقاريرهم ومجلاتهم قد ساهمت إسهاماً كبيراً في خدمة علماء الطيور في رصد تواجد وانتشار الطيور وأعدادهم وبيئتهم المفضلة وأماكن تفريخهم وطرق هجرتهم حول العالم.
من بداية ثلاثينيات القرن العشرين ازداد الاهتمام بمراقبة الطيور بما في ذلك تصوير الطيور في بيئتهم الطبيعية وظهرت الهيئات المتخصصة في بعض الأنواع من الطيور كالطيور الخواضة و البط.
لماذا نراقب إلى الطيور؟
نراقب الطيور لنرى عجيب خلق الله فيها، فهذا الطائر الصغير يستطيع التحرك في ثلاثة أبعاد، بينما الإنسان يتحرك في بعدين. قال تعالى: "أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُون" النحل 79، وقال تعالى: "أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِير" الملك 19
نراقب الطيور لأنها جميلة بألوانها وحركاتها وأشكالها وهي متواجدة في كل مكان وهي من أجمل خلق الله، ولها ألوان وأنواع كثيرة، ويوجد في العالم أكثر من 9 آلاف نوع يختلفون كذلك بطرق عيشهم وطيرانهم وأحجامهم، والبعض منها يألف الإنسان.
ومراقبة الطيور للتعرف عليها رياضة جميلة تأنس بها النفس وتنشرح، وعند رؤية الطير ومراقبة حركاته يأتي الشيء الممتع وهو ما نوعه واسمه وهل هو ذكر أم أنثى؟ خصوصاً عند رؤية الطير لأول مرة، وبوجود المنظار المقرب وكتاب دليل للطيور يمكن التعرف على الطير، والتعرف على الطير بحد ذاته شيء ممتع جداً. ويجب التذكير أن التدوين للطيور التي رأيتها ومكان الرؤية مهم، وتزداد القائمة يوم بعد يوم، وتزداد الخبرة كذلك فتعرف أسماء الطيور وعلاماتها وبيئات تواجدها والفروق بينها، وبالخبرة تستطيع معرفة الطير بطريقة حركته وطيرانه، والملاحظ الدقيق يستطيع تذكر ألوان الطير جميعها وشكل جسم الطائر ويستطيع التعرف على الطائر بعد ذلك بسهولة والتعرف السريع على الطائر يعتبر مهارة تكتسب من كثرة المراقبة ومتابعة الطيور وكذلك بسبب كثرة النظر في رسوم الطيور في كتب أدلة التعرف على الطيور، وحتى الطيور الجوارح يتعرف عليها من شكل جناحها وشكل الذيل وطريقة خفقان الأجنحة.
وتتحول الهواية بعد ذلك إلى مهارة عجيبة في التعرف على الطيور وعلى ألوانها فألوان الطير تختلف من الفرخ إلى اليافع ثم البالغ وتتغير بعض الطيور من الصيف إلى الشتاء والطير في سنته الأولى من العمر تختلف ألوانه عن السنة الثانية وبعضهم يختلف كذلك في السنة الثالثة والرابعة وفي موسم التزاوج تتغير ألوان بعض الطيور، فحب التعلم واكتساب المهارات في التعرف على الطيور لا ينتهي، بل يصبح تحدي مع النفس ومتعة ما بعدها متعة، فأنت تتمتع في التعرف على خلق الله العجيب.
هل حب الطيور يغفر لنا صيدها ميتة؟
أذكر عندما كنت صغيراً وكنت أستخدم المقلاع في صيدها (النباطة) وكنت أراقب الطيور الصغيرة وهي تتخفى خلف والأغصان وأحاول إصابتها المرة تلو الأخرى... ولكن! عندما تبرز لي وأستيقن أني مصيبها هذه المرة أتردد كثيراً لأنها بعد قليل سوف تكون بين يدي ميتة! وقد فقدت حيويتها وبريقها وجمالها وجمال حركاتها بين الأغصان، لكن غالباً ما ينتهي التردد بعد ذلك بصيدها ميتة!!
أما الآن فالأمر مختلف فأنا لست في حاجة لقتل الطيور من أجل الاستمتاع بقتلها فالأمر أصبح شيء من الذكريات والماضي، وفي الأزمان السابقة كان الناس يصيدون الطيور من أجل سد جوعهم والإبقاء على أنفسهم أحياء، وكان الناس أعدادهم قليلة وما يصيدونه شيء قليل وآلات صيدهم غير فعالة والحاذق بالصيد يعتبر كالفارس في الحرب لأنه يجلب الطعام لأهله وإخوانه، أما ما يحدث هذه الأيام فأي شخص يضغط على الزناد يصيد ولو كان أعمى يتبع أصوات الطيور وهي تطير!
هل لهواية مراقبة الطيور مبادئ وأخلاقيات ؟
نعم، كل من يتمتع بمراقبة الطيور يحب عليه كذلك أن يحترم الحياة الفطرية عموماً وبيئتها التي تعيش فيها وحقها في العيش في بيئتها بحرية وبدون إزعاج، ويجب تقديم مصلحة الطير في أي تضارب في المصالح بين مراقب الطيور والطيور نفسها. وإليكم هذه المبادئ المأخوذ بعضها من مبادئ جمعية مراقبة الطيور الأمريكية:
1- عدم التعدي على الطير وبيئته.
2- عدم إزعاج الطير وزجره عند ممارسة مراقبة خصوصاً للطيور التي تستعد لبناء الأعشاش، والأولى تركها وشأنها والابتعاد عن مراقبتها.
3- عدم الإعلان عن أماكن أعشاش الطيور إذا كان ذلك سيسبب لهم إزعاجاً.
4- عدم الاقتراب من أعشاش الطيور وإزعاجها إلا للضرورة.
5- قبل الإعلان عن أماكن وجود الطيور النادرة، يجب التأكد من أن ذلك لا يعرضها للخطر أو الإزعاج الغير المبرر.
6- المشي على الجادات الترابية المطروقة وعدم الانحراف عنها لئلا نزيد في تدهور البيئة البرية.
7- عدم الاقتراب من المراقبين الآخرين إلا بعد أن يأذنوا لك، لأنك قد تضيع عليهم مراقبة طير نادر كانوا يتتبعونه.
8- مساعدة مراقبي الطيور المبتدئين والإجابة على أسئلتهم وأخبارهم بأماكن تواجد الطيور وكيفية مراقبتها.
وقد ورد في سنة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم التالي:
روى النسائي عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنْ إنْسَانٍ قَتَلَ عُصْفُورا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقّهَا إلاّ سَأَلَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ عَنْهَا". قِيلَ يَا رَسُولَ اللّهِ وَمَا حَقّهَا؟ قَالَ: "يَذْبَحُهَا فَيَأْكُلُهَا وَلاَ يَقْطَعُ رَأْسَهَا يَرْمِي بِهَا". قال السندي: قوله: "عصفورا" إسم طائر.‏
وروى مسلم في صحيحه عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْراً وَهُمْ يَرْمُونَهُ، وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوُا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ لَعَنَ اللهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا، إِنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئاً فِيهِ الرُّوحُ غَرَضاً.
وفي سنن أبي داود: عنْ عَبْدِالرّحْمَنِ بن عَبْدِالله عنْ أبِيهِ قال: "كُنّا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأيْنَا حُمّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتْ الْحُمّرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرُشُ فَجَاءَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: مَنْ فَجّعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا، رُدّوا وَلْدَهَا إلَيْهَا، وَرَأى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرّقْنَاهَا فقال: مَنْ حَرّقَ هَذِهِ؟ قُلْنَا: نَحْنُ، قال: إنّهُ لاَ يَنْبَغِي أنْ يُعَذّبَ بالنّارِ إلاّ رَبّ النّارِ".
وروى أبو داود في سننه عن أم كرز قالت: سمعت النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أقرُّوا الطير على مكناتها".
مكناتها أي وكناتها وهي أعشاشها، ومعناه لا تزجروا الطير وهي في عشها.

اساسيات في تصوير ورصد الطيور